الجغرافية البشرية



وتتناول دراسة كل ما ينتج عن علاقة الإِنسان ببيئته وتفاعله معها. وتنقسم
الجغرافيا البشرية إلى فروع متعددة مثل: جغرافية السلالات، والجغرافيا الاجتماعية وجغرافية المواصلات والمدن، والجغرافيا الاقتصادية، وغيرها.

وفيما يلي دراسة لبعض فروع الجغرافيا البشرية.

( أ ) الجغرافيا الاجتماعية

تعريف الجغرافيا الاجتماعية:

الجغرافيا الاجتماعية فرع من فروع الجغرافيا البشرية يدرس توزيع المجتمعات الإِنسانية وبيئاتها، ومدى تأثر هذه المجتمعات بالظروف الطبيعية، وعلاقة توزيع الظاهرات الإِجتماعية كالسكان والمدن والقرى بالظروف الجغرافية العامة.

تطور الجغرافيا الاجتماعية:

ظهر في كتابات الجغرافيين الإِغريق بعض الاهتمامات بأحوال البلاد الإِجتماعية التي وصفوها وكتبوا عنها، ومن أمثلة ذلك ما جاء في كتاب "الجو

والماء والأقاليم" الذي وضعه هيبوقراط (420 ق. م) حيث أشار إلى الاختلافات بين سكان الأقليم الجبلية الذين يتميزون بالشجاعة وبين سكان السهول الجافة الذين يتصفون بالنحافة وفيهم طبيعة السيادة والإِمارة.

وتعد مقدمة ابن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي أول دراسة على أسس علمية منظمة في الجغرافيا الاجتماعية حيث تكلم فيها عن العمران البشري، وأن الربع الشمالي من الأرض أكثر عمراناً من الربع الجنوبي. وقد أشار كذلك إلى أثر المناخ في طبائع الشعوب وألوان بشرتهم.

ميادين الجغرافيا الاجتماعية :

تهتم الجغرافيا الاجتماعية بدراسة أربعة موضوعات رئيسة هي:

أولاً: توزيع السكان على سطح الأرض، وكثافتهم وارتباط ذلك بظروف البيئة الجغرافية وبيان أثر الجذور التاريخية والظروف الاجتماعية.

ثانياً: أساليب الحياة، ويقصد بذلك ما يقوم به السكان من حيث الاستفادة بموارد بيئتهم الطبيعية ويختلف بالطبع أسلوب الحياة في المناطق الباردة عن المناطق الحارة وهناك تداخل بين هذا الموضوع وبين الجغرافيا الاقتصادية.

ثالثاً: تطور المجتمعات البشرية من حرفة الجمع إلى الصيد فالرعي ثم الزراعة والصناعة.

رابعاً: دراسة مظاهر العمران البشري وتجمعه في القرى والمدن ومناقشة الظروف الجغرافية التي ساعدت على نشأة تلك القرى أو المدن.

وتستفيد الجغرافيا الاجتماعية بطبيعة الحال من علمٍ الاجتماع وفروعه المختلفة، كما تستفيد كذلك من علم الاحصاء وخصوصا فيما يتعلق بدراسة السكان وتوزيعهم وكثافتهم.

(ب) جغرافية الأسماء

"جغرافية الأسماء" أو "علم الأسماء الجغرافية" Toponymy هو فرع من فروع الجغرافيا.

ويهتم هذا العلم بالأسماء الجغرافية من حيث:

أولاً: دراسة الأسماء وأصل اشتقاقها.

ثانياً: تحقيق الأسماء من حيث النطق ومن حيث المواقع التي تطلق عليها.

ثالثاً: دراسة تطور الأسماء الجغرافية إذ أن كثيراً من المدن والأقطار لم تكن تحمل أسماءها الحالية بل أنها كانت تحمل أسماء أخرى.
ومن الكتب التي تتبعت أسماء البلاد وتحديد أماكنها كتاب "مراصد الأطلاع في أسماء الأمكنة والبقاع" لابن عبد الخالق وإن كان قد نقل كثيراً عن معجم البلدان لياقوت الحموي.

ويقول "القلقشندي" في كتابه "صبح الأعشى": مدينة مراكش بفتح الميم وتشديد الراء المهملة وفتحها وألف ساكنة ثم كاف ثم شين معجمة.

وتهتم جغرافية الأسماء كذلك بتتبع أسماء الأقطار والمدن والظاهرات الجغرافية وتطورها مثال ذلك:

1- (البحر المتوسط) كان يطلق عليه بحر الروم، وبحر الشام والبحر الأبيض المتوسط، وأصبح الإِتجاه الحالي في التسمية البحر المتوسط، وتأثر هذا الاتجاه بعاملين الأول أن هناك بحراً أبيضَ آخر في شمال غرب الاتحاد السوفيتي، والثاني الترجمة الحرفية لتعبير Mediterranean أي وسط الأرض.

وقد تمت بعض المحاولات لإِختصار تسمية البحر المتوسط بحيث تصبح "البحر سط" فنقول مناخ "بحر سطي" أي بحر متوسط ولكن هذا التعبير لم ينل حظاً كبيراً من التداول.

2- مثال آخر لتطور الأسماء "جبل طارق" الذي يُطلق عليه قبل الفتح الإِسلامي "أعمدة هرقل" ثم أصبح معروفاً باسم "جبل الفتح " ثم أطلق عليه "جبل طارق".

3- كانت الجزيرة التي تقع جنوب شرق الهند تعرف باسم "سرنديب" أصبحت التسمية "سيلان" وتغيرت التسمية مرة أخرى فصارت تعرف باسم "سيرالانكا".

(جـ) الجغرافيا الاقتصادية

الجغرافيا الاقتصادية هي فرع من فروع الجغرافيا البشرية تتناول بالدراسة اختلافات الموارد الطبيعية على سطح الأرض، وأوجه نشاط الإِنسان الإِنتاجية والتبادلية والإِستهلاكية مع تحليل هذه الاختلافات وإبراز أثر الظروف الطبيعية في ذلك.

تطور الجغرافيا الاقتصادية:

عنيت الشعوب القديمة بذكر محصولاتها الزراعية وموارد ثرواتها الاقتصادية ومن بين هذه الشعوب المصريون القدماء والإِغريق، ومن يتابع نقوش المصرين القدماء يستطيع أن يلم بأوجه نشاطهم الاقتصادي وأهم حاصلاتهم الزراعية.

ولقد ساهمت الكشوف الجغرافية في اتساع مجال الجغرافيا الاقتصادية، إذ أن الرحالة والمكتشفين استطاعوا أن يصلوا إلى بيئات مختلفة متنوعة الإِنتاج، فمثلاً بعد اكتشاف أمريكا الجنوبية عُرفت محاصيل مثل البطاطس والمطاط والذرة والكسافا لأول مرة فُنقِلَت إلى منَاطق أخرى من العالم حيث جادت زراعتها.

وساعدت الكشوف الجغرافية كذلك على التبادل التجاري بين الأقطار المختلفة التي يتنوع انتاجها بحسب ظروفها الطبيعية.

ولقد ظلت الجغرافيا الاقتصادية حتى عام 1882م تعرف باسم (الجغرافيا التجارية). ومنذ ذلك التاريخ صارت تعرف باسم (الجغرافيا الاقتصادية) وأصبحت الجغرافيا التجارية لا تعدو سوى جانباً من جوانب الجغرافيا الاقتصادية.

ميادين الجغرافيا الاقتصادية:

اتسعت ميادين الجغرافيا الاقتصادية حديثاً وتعددت فروعها الثانوية على أنها تهتم بدراسة إنتاج الإِنسان من حرفه الرئيسي الست وهي (الزراعة- الرعي- قطع الأشجار- الصيد- التعدين- الصناعة) وتهتم كذلك بالتبادل التجاري الذي يؤدي إلى زيادة قيمة السلع عن طريق تغيير أماكنها.

ولقد ظهرت فروع عديدة متنوعة للجغرافيا الاقتصادية مثل "الجغرافيا الزراعية"، و"جغرافية الإِنتاج الحيواني" و"الجغرافيا الصناعية"، و"النقل"، و"جغرافية الأسواق" و"الجغرافيا السياحية".

أما علم الاقتصاد فإنه يهتم بإنتاج الغلة وتجارتها واستهلاكها وأسواق الاستهلاك والأسعار ويعتمد في دراسته على الأرقام اعتماداً كبيراً.

والجغرافيا الاقتصادية بفروعها المختلفة ومناهج البحث التي تتبعها في دراسة الإِنتاج والثروات الطبيعية، وتهدف إلى تحسين الإِنتاج وزيادته وخفض تكاليفه لتحقيق الرخاء للإِنسان.

(د) جغرافية المواصلات والمدن

أولاً: جغرافية النقل والمواصلات:

يلعب النقل والمواصلات دوراً بالغ الأهمية من الناحية الاجتماعية ذلك أن المواصلات قد يسَّرت الاتصالات بين الشعوب وقربت المسافات بحيث أصبح العالم يبدو صغيراً.

تطور الاهتمام بدراسة النقل والمواصلات:

اهتمام الإِنسان بالنقل والطرق والمواصلات اهتمام قديم قِدَم الإِنسان نفسه. ولقد لعبت الطرق دوراً كبيراً في ربط أجزاء الإِمبراطوريات القديمة.

ومن المعروف أن العرب قد اهتموا كثيراً بالمواصلات والطرق منذ زمن بعيد، فالقرآن الكريم يذكر رحلة الشتاء والصيف، شتاء إلى اليمن وصيفاً إلى الشام.

وسائل النقل :

تتنوع وسائل النقل تنوعاً كبيراً من جهة إلى أخرى بسبب تنوع السلع وتنوع المستوى الحضاري. ففي بعض جهات العالم لازالت عملية النقل تتم على أكتاف الإنسان أو بمساعدة الحيوان مثل "الحمير والبغال والخيل والثيران والإِبل والفيلة"، وفي المناطق شبه القطبية تستخدم "الرّنة". وتستخدم السفن والسيارات والقطارات والطائرات في وقتنا الحاضر بكثرة في عمليات النقل المختلفة.

وجغرافية النقل والمواصلات تعد جزءاً من دراسة الجغرافيا الاقتصادية وينقسم النقل إلى نوعين رئيسين هما :

( أ ) نقل اقتصادي من أجل تحقيق منفعة اقتصادية مثل نقل السلع التجارية من منطقة إلى أخرى فتزيد قيمتها عن طريق تغيير مكانها، وبديهي أنه لولا النقل لما نشطت ولما قامت التجارة بين أقطار العالم.

(ب) النقل غير الاقتصادي ويشمل حركة الأشخاص أو المواد لأغراض غير اقتصادية مثل الإِنتقال من أجل النزهة أو السياحة ومثل النقل العسكري. ويكون لهذا النوع من النقل في بعض الأحيان فوائد اقتصادية ولكنها غالباً ما تكون غير مباشرة.

ثانياً: جغرافية المدن "الجغرافيا الحضرية":

جغرافية المدن أو الجغرافيا الحضرية هي فرع من الجغرافيا البشرية تدرس المدن من حيث النشأة والموقع والنمو والوظائف والإِقليم الذي تخدمه.

تطور دراسة جغرافية المدن :

تهتم جغرافية المدن حالياً بدراسة موقع المدينة، ووظيفة المدينة وتركيبها، ولقد اتسعت دراسة جغرافية المدن بعد الحرب العالمية الثانية لتساهم في تخطيط المدن التي دمرتها الحرب فظهر فرع جديد هو تخطيط المدن، وليس معنى ذلك أن تخطيط المدن وليد فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ أن الشواهد التاريخية تدل على أن تخطيط المدن كان موجوداً عند المصريين القدماء، وعند الإِغريق والرومان. ولعل أقدم مدينة يظهر فيها التخطيط هي المدينة التي أنشأها أخناتون سنة 1370 ق. م. وعرفت باسم "أخناتون".
ولقد تضمنت (مقدمة ابن خلدون) حديثاً عن البدو والبداوة وعلاقة ذلك بالحضر. .

العلاقة بين المدينة والطرق:

هناك ارتباط وثيق بين المدينة وبين الطرق فبعض المدن أوجدت طرقاً وبعض الطرق أدت إلى إنشاء المدن.


 

Make a free website with Yola